حكيمٌ و فيلسوفٌ وتربالْ

حكيمٌ و فيلسوفٌ وتربالْ

تجريد:

غشيفُ الطعامِ، قليلُ السَّقَمْ. يسيرُ الكلامِ، كثيرُ الحِكمْ. خفيفُ الجُرمِ، كأنَّه مخلوقٌ نباتى. يمشى على الأرض هوناً، وقيلُهُ للجاهلين السَّلَمْ. يُعرِّى كتفاً، ويكسو الآخر، لكَوْنِهِ المحرمَ الأبدىَّ فى عوالمِ سِلْمِهِ الداخلى. أكوانُهُ عميقةٌ ودقيقة، ونَظَرُهُ إليها أطولُ من نَّظَرِهِ إلى ما سواها، ومنها نهل. فَصَارَ الحكيمَ الحشيم، والفيلسوفَ الفهيم، والحيىَّ الذى لا يفارقُ بصرُهُ الأديم، والمتَّزنَ بالتصالحِ مع الذات، وينبوعَ أمثالٍ تسوسُ الحياةَ بالحِلمِ والفَنْجَرَة، والرجلُ بعد تربال. بِهِ حسرةٌ ودمعةٌ على أيام الصِّبا، تفضحان حنينَه وتوقَهُ إلى عوالمَ ذاتِ شجون، كلمَّا مرَّ على ثلةٍ من الأحداث ، ثمَّ تسُدُّ حَلقَهُ العَبَرَاتُ وهو يردد : "يا حِلَيل زمن صِباك يا مُوسِى".

ذلكم الأُمَّة مُوسَى ود عبيد، حكيمُ وفيلسوفُ المنحنى والبساتين. فجئنى بضريبٍ له فى تِلْكُمُ القِيَمِ والأخلاق. لعمرى أنَّ ذاك غَيَبْ. كان هذا الواقع الفريد أرضاً خِصبةً لنشوءِ فلسفةٍ ومنطقٍ تفرّدَ بها الرجل بين سائر الرجال هناك. ولا غروَ، فَبِشْر بن الحارث الحافى يقول: "الجُوعُ يُصفِّى الفؤادَ ويُورِثُ العِلْمَ الدقيق".

يتبع ...

الأخ الكريم عمار بن محمد سلام،

هى ليست رواية كما تعلم، فالروايات لا تبدأ بالتجريد. ولكنها قرآءة أُخرى لشخصية فذة بحق، وهى شخصية فيلسوف منحنى النيل موسى ود عبيد. فكلمات هذا الرجل تشكل مِجَرَّة فى ذاكرة الوعى الجمعى بمنحنى النيل وذلك لقدرتها الإكتنازية الهائلة، وهى بذلك تحتاج إلى تشفير. ولا يتم ذلك إلى بتشفير محمولها الثقافى.

تقول جدتى فِردوس، حباها الله الفردوس، "الحديث أطول من العمر". وبالطبع ليس كل الحديث. فحديث بعض الناس يذهب هباءاً منثورا. ولكنها تعنى الحكمة. فالحكمة سرمدية ولانهائية. والسؤال المهم، هل كل الناس مؤهلون لإنتاج الحكم؟ ولماذا تلتصق الحكمة بإناسٍ محددين، دون سواهم؟ مع أنهم بشر من سائر البشر، أو هكذا يبدون. أم أن الأمر له بعدٌ آخر، هو الشخصية وفلسفتها التى تعتنقها.

فيمكن أن نردد إلى الغد، وأنْ نسجل سبقنا بتِرداد، عبارة "هِى هيلى" أو "أنا ماشى التمرين" إلخ ..، لكنها لن تُفهم إلاَّ بإقترانها بفلسفة، وبإقترانها بإحداثيات المكان والزمان. وأعنى هنا المكان الفلسفى والزمان الفلسفى والإنسان الفلسفى. وهذه المداخلة محاولة قرآءة فلسفية لحكيمِ زمانه موسى ود عبيد.

مع الشكر.